المجلس الأول

وكان من عادته رضي الله عنه  أن يستقبل الناس في عيدي الفطر والأضحى ، وذلك في اليوم الأول والثاني من كل عيد بعد صلاة العصر .

فيبقى باب الدار مفتوحاً ويتوافد الناس على مختلف طبقاتهم جماعة بعد جماعة حتى إذا لم يتسع المكان لأهله قام جماعة وودعوا الشيخ الإمام رضي الله عنه  وانصرفوا ليجلس مكانهم آخرون .. وهكذا ..

ويجلس الحاضرون مصغين لكلام شيخنا الإمام رضي الله عنه .

ولا يتكلم منهم أحد تأدباً في حضرة الشيخ وحرصاً على سماع كلامه الذي سأذكر منه جملة واسعة إن شاء الله تعالى .

وبعد أن قدم رضي الله عنه  من المدينة المنورة بأنوار رسول الله    - وكان قد جاور فيها ما يزيد على ثلاث سنوات - تزاحم الناس إلى مجالسه وربما ضاق المكان بهم فجعل يستقبل الناس في جامع الشعبانية إذ تهيأ الكراسي والمناضد لذلك في ساحة الجامع إذ كانت أيام الصيف تعين على ذلك ..

وربما حضر مجلسه رضي الله عنه  بعض المنشدين ممن كان في حلب آنذاك فيومئ إليهم الشيخ الإمام رضي الله عنه  بالإنشاد فيصغي الحاضرون وترتفع الأصوات بالصلاة على النبي    .. ثم يعاود الشيخ الإمام رضي الله عنه  حديثه وهكذا .

ومن كلامه في أحد المجالس ، - وقد عثرنا عليه في تسجيلات من بعض الأحباب وكان ذلك ما بين الأعوام 1405 – 1408 هـ - عندما سلم عليه رجل من أهل العلم . ولم تكن عمته فوق رأسه فنبهه رضي الله عنه  إلى ذلك وقال له : إن شعار العلم شرف لأهل العلم .

ثم رحب بالحاضرين وقال : أسأل الله تعالى أن يعيد علينا وعليكم أعواماً بعد أعوام هذه المواسم الطيبة المباركة بالخير والعافية والبركة ورضا الله تعالى ورضا رسوله    .. وأسأله سبحانه أن يجعلنا وإياكم ممن أكرمهم الله تعالى وأسعدهم وتولاهم في قوله تعالى :{ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ }.

وأن يجعلنا وإياكم من المقبولين ومن العتقاء الذين أعتقهم في تلك الليالي الرمضانية التي قد مرت بنا وقد ورد في الحديث عنه    :[لله تعالى عند كل فطر من شهر رمضان كل ليلة عتقاء من النار ستون ألفا]  شعب الإيمان للبيهقي عن عبد الله بن مسعود وفي رواية [ ستمائة ألف ]  شعب الإيمان للبيهقي عن الحسن مرسلاً.

وقد جاء في الحديث عنه    :

[إن لله فى كل يوم جمعة ستمائة ألف عتيق يعتقهم من النار كلهم قد استوجبوا النار  ] عزاه في الجامع الكبيرلأبي يعلى و شعب الإيمان للبيهقي  

وفي رواية :

[إن يوم الجمعة وليلة الجمعة أربع وعشرون ساعة ليس منها ساعة إلا ولله فيها ست مائة عتيق من النار كلهم قد استوجبوا النار]  عزاه في كنز العمال  لأبي يعلى عن أنس .

فإن فاتنا شيء من بركات شهر رمضان ومغفرته فإن غداً يوم جمعة ونسأل الله تعالى أن يشملنا فيه بالغفران .

وإن من فضائل أمة سيدنا محمد    أن الله تعالى قال لحبيبه    :  { فَبَشِّرْ عِبَادِ } يعني : بشر أمتك يا رسول الله ، وهذا من الدواعي التي تدعو المؤمن المحمدي لأن يكون دائماً على بشارة من الله تعالى ..

وقد جاءت أحاديث كثيرة عن رسول الله    تبين فضل أمة سيدنا محمد وكرامتها على الله تعالى ، ويجب على كل مؤمن أن يطلع على ذلك ليعرف فضل الله ونعمته عليه بأن جعله من أمة سيدنا محمد    .

ولكي يزداد المؤمن معرفة بفضل الله عليه يجب أن يعلم أن الله تعالى قد امتن على المؤمنين من أمة سيدنا محمد    بنعمتين عظيمتين أفرد سبحانه كل واحدة منهما بالذكر وهما : نعمة الإيمان أولاً ونعمة أن جعلنا الله من أمة خير الأنام سيدنا محمد وأن بعثه فينا نبياً رسولاً    .

فقال سبحانه في بيان نعمة الإيمان { بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ } وقال تعالى في بيان نعمة إرساله لسيدنا محمد    في هذه الأمة : { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } 

ومما ذكره سبحانه في بيان فضل المؤمنين أنه اصطفاهم وأورثهم القرآن عن رسولهم سيدنا محمد    وأن هذا هو الفضل الكبير .. 

قال تعالى :{ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } - أي وهم المؤمنون من أمة سيدنا محمد    الذين ورثوا الكتاب عن رسول الله    ،{ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ } أي : واقع في التقصير سواء بارتكاب المناهي أو التقصير في أداء الأوامر ، { وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ } أي : قائم بما عليه دون زيادة  { وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ } أي : وهم المقربون الذين سبقوا غيرهم بفعل النوافل والطاعات .

{ ذَلِكَ } أي : إشارة إلى الميراث والتوريث والاصطفاء للمؤمنين على غيرهم .

{ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ } أي : هو فضل الله تعالى على أمة سيدنا محمد    وذلك لأن شرف المقتدي على شرف إمامه ، وشرف الأمة على شرف رسولها    وهو    سيد العالمين كلهم .

ومما يجدر ذكره أن حظ كل مؤمن من الميراث المحمدي على حسبه .  إذ إن كل مؤمن هو وارث عن سيدنا رسول الله    فمنهم من نال حظاً وافراً كالعلماء والعارفين ، ومنهم دون ذلك ، ومنهم ، ومنهم  فكما تختلف مقادير الميراث في الأموال تختلف أيضاً في العلوم والمعارف والمقامات الإيمانية وهكذا ..

وقد حظيت أمة سيدنا محمد    بسلام خاص من الله تعالى ، قال تعالى : { قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى } الآية .. وقد نالت هذه الأمة سلاماً من الله تعالى مع جملة الأمم المؤمنة بالله تعالى فقال سبحانه لنوح عليه السلام : { قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ }  ومن سلم الله عليه فقد أدخله في سلامه وأمانه سبحانه ..

ومن قال أن الآية { قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى } أن المراد هو الأنبياء والرسل فيقال : لقد سلم سبحانه على الأنبياء والرسل بقوله تعالى :{ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ } فذكرهم بوصف الرسالة .

وإن سياق الآية من قوله تعالى :{ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى } يدل على أن الخطاب يجري حكمه في عالم الشهادة المادي ولم يقابل سيدنا محمد    الأنبياء والمرسلين حتى يبلغهم سلام الله عليهم وإن كانت هناك اجتماعات روحانية برزخية لكن الآية في عالم الشهادة فقوله سبحانه : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } وهم أمة سيدنا محمد    وهم أيضاً الذين ذكرهم سبحانه بقوله :{ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى } 

نعم إن كل ذلك يحمل المؤمن على أن يذكر نعمة الله عليه وقد قال سبحانه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ } . 

ومن المحافظة على الميراث القرآني أن يتمسك المؤمن بالقرآن الكريم عملاً وقولاً وخلقاً وأدباً وتلاوة وتدبراً في معانيه .

ومما يقرب العبد إلى الله تعالى كثرة تلاوته لكتاب الله تعالى ففي الحديث : لما سئل    : أي العمل أحب إلى الله ؟ - والمعنى : ما هي خير الأعمال التي تقرب إلى الله تعالى ؟  -  قال : [ الحال المرتحل ] قيل : و ما الحال المرتحل ؟ قال : [ الذي يضرب – أي يقرأ – من أول القرآن إلى آخره كلما حل ارتحل ]  سنن الترمذي كتاب القراءات عن ابن عباس أي : كلما ختم القرآن تلاوة شرع في ختمة أخرى ، وهكذا ، كالذي يقطع المسافات حتى يصل إلى مقصوده . 

وقارئ القرآن تقرباً إلى الله تعالى يطوي مراحل في التقرب إلى الله تعالى ومن جملة خصائص أمة سيدنا محمد    أن رسول الله    هو الذي يفتح باب الشفاعة على اختلاف مراتبها إذ لا يتقدم إلى الشفاعة إلا من كان له وزن ومقدار وكرامة عند المشفوع عنده . كما أن المشفوع عنده لا يقرب إليه إلا من يحب . فلا يتقدم لكشف التجلي الإلهي بالغضب الأكبر ويشفع في ذلك إلا صاحب الوجه الأول والمرآة الأولى لنور رب العالمين والمجلى الأول والحبيب الأعظم والإمام الذي لا إمام له والشفيع الذي لا شفيع له وهو سيدنا محمد    ، وذلك في موقف تراجع واعتذر فيه جميع الأنبياء والرسل عليهم السلام واعترفوا بالعجز عن التقدم لهذا المقام العظيم وهو المقام المحمود الذي خص الله به رسوله    .

ثم يسأل    ربه أن يفتح باب الشفاعة لأمته بأن يشفع بعضهم لبعض وفي هذا يقول    : [إن من أمتي من يشفع للفئام – أي القبائل من الناس - ومنهم من يشفع للقبيلة ومنهم من يشفع للعصبة ومنهم من يشفع للرجل حتى يدخلوا الجنة]    سنن الترمذي كتاب صفة القيامة والرقائق والورع  أي : فكل على حسب مقامه .

وورد في حق عثمان رضي الله عنه أنه يشفع يوم القيامة في مثل ربيعة ومضر   انظر سنن الترمذي كتاب صفة القيامة والرقائق والورع فانظر أيها المؤمن في هذا الفضل الكبير وهو أن رسول الله    تشفع في أمته ، وتشفع فيهم أيضاً أن يشفع بعضهم لبعض .

وهذا ما يحتم محبته وتعظيمه    على كل مؤمن وأن لا يغفل عن ذكره    والصلاة عليه دائماً وأبداً ، وأن يحكم الصلة بينه وبين رسول الله    كصلة المقتدي بإمامه فهو أمامه وهو إمامه ، ولابد لكل مؤمن من يوم لا يسأل فيه عن أحد إلا عن سيدنا محمد    وهو لما يصير الإنسان في قبره ويسأل : [ ما كنت تقول في هذا الرجل ؟]  طرف حديث في صحيح البخاري كتاب الجنائز عن أنس بن مالك رضي الله عنه .

ومن لم يكن بينه وبين رسول الله    صلة وارتباط ومحبة تلكأ في الجواب ووقع في الشدة ، ولما سئل سيدنا علي رضي الله عنه  : كيف كان حبكم لرسول الله    ؟ - أي يا معشر الصحابة – ، قال : لقد كان رسول الله    أحب إلينا من أنفسنا وأهلينا وأموالنا وأحب إلينا من الماء البارد على الظمأ. انظر كتاب الشمائل ص 592 للشيخ الإمام رضي الله عنه وإن الصلاة عليه    هي صلة به إذ يذكر رسول الله    من يصلي عليه ويثني عليه ويدعو له ، نسأل الله تعالى أن يجعلنا مظللين بالنور المحمدي وأن يجعل قلوبنا متعلقة متعشقة لسيدنا رسول الله    أبد الآبدين وأن يجعله نصب أعيننا وقبلة قلوبنا في كل أوقاتنا .

ثم أنشد بعض المنشدين مديحاً لرسول الله    :

بشرى لنا نلنا المنى                               زال العنا وافى الهنا

والدهر أنجز وعده                                والبشر أضحى معلنا

يا نفس طيبي باللقا                                يا نفس قري أعينا

هذا جمال المصطفى                              أنواره لاحت لنا

إن رمت عزاً لذ به                              واسأل به تعط المنى

لقربه من ربه                                    اطلب ولا تخشى العنا

ثم فرد المنشد عبد القادر راجح المعروف بـ رديف : هذه الأبيات :

أينما وجهت وجهي أنتم                             وكذا ذكراكم في مسمعي

وبسوداء فؤادي دائماً                              ما برحتم وسوادي ناظري

أين مني سلوة عنكم وما                          برحت أخباركم تتلى علي

ليت شعري هل أرى في ظلهم                 بعد بعدي وترى عيني الحمي

إن عيدي يوم آتي دارهم                        وأمرغ في ثراهم وجنتي

أحمد الهادي إلى دين الهدى                   ببيان محكم من عند حي

عربي الأصل شهم بطل                       سيف رب العرش نور النيري

وجهه الوضاح حسبي حيث في               كل آن لم يغب عن مقلتي

يا حبيبي قصر المدح وما                     فهته بالنظم لا يبلغ شي

بعد مدح الله يا تاج العلا                      ونزول الآي من رب علي

ثم أنشدت الفرقة :

يا أعظم شافع جد برضاك                  ليهنأ قلبي بطيب لقاك

                            وأنسى الشقا

بمدحك ألقى كل الخير                      ومن لي سواك لكشف الضر

أنا والله عظيم الوزر                        بتذلل دخلت حماك

                           فكن لي وقا

سعادتنا بك يا ذا الفضل                    وأنت المرجى ليوم الفصل

ألا فامنن وجد بالوصل                     لمتيم لا يبغي سواك

                            أنله اللقا

ثم أنشد عبد الوهاب :

الله ربي ولا أشرك به أحداً                  تبارك الله ربي حسبي دائماً أبداً

الله عوني وحسبي في الخطوب فلا        أرجو سواه لكشف الضر معتمدا

ثم أنشدت الفرقة :

ما مد لخير الخلق يدا                        أحد إلا وبه سعدا

فلذاك مددت إليه يدي                      وبذلك كنت من السعدا

وعلينا تعطف يا أملي                      بشفاء القلب من العلل

أيكون محبك في وجل                     وبجاهك لا نشقى أبدا

ثم فرد المنشد إبراهيم قلعة جي :

والله ما حملت أنثى ولا وضعت         كمثل أحمد من قاص ولا داني

مهذب شرف الله الوجود به              وخصه بدلالات وبرهان

يا صاح إن خفت في الأيام نائبة       من ظالم قاهر أو جور سلطان

ولم تجد في الورى حراً له كرم         يرجى نداه ولا صفح عن الجاني

فلذ بمن سبح الحصباء في يده          واقصد كريم السجايا مطلق العاني

يا سيدي يا رسول الله يا أملي           يا موئلي يا ملاذي يوم تلقاني

هبني بجاهك ما قدمت من ذلل            جوداً ورجح بفضل منك ميزاني

واسمع دعائي واكشف ما يساورني      من الخطوب ونفس كل أحزاني

وفيك يا ابن خليل الله يوم غد             ألوذ من سوء زلاتي وعصياني

نوالك الجم يطويني وينشرني             بالمكرمات وعين اللطف ترعاني

ثم أنشدت الفرقة :

عيدي شهودي وعوني أنت يا عيني

                                      والعيد عندي دوام المحو عن عيني

إثبات غيرك شرك في عقيدتنا

                                      محو السوى ديننا يا قرة العين

وأنشدت الفرقة أيضاً :

تباهى الناس بالعيد                      وعيدي أنت يا سيدي

مباهاتي وتعييدي                        مناجاتي لمعبودي

تجلى لي على طوري                   بدا نوراً على نور

وقد أعطيت منشوري                   بأني غير مردود

ثم فرد المنشد عبد القادر راجح هذه الأبيات :

وفي العيد عادات الكرام لقد جرت             ببر اليتامى وافتقاد الأرامل

إلهي تدارك ضعف حالي برحمة             ولطف خفي عاجل غير آجل

فإني جزوع لا صبور على البلا              ودائي عضال لا محالة قاتلي

فإني بطه مستغيث وراغب                  إلى الله فهو الغوث في كل هائل

وإخوانه الرسل الكرام جميعهم                وباقي النبيين البدور الكوامل

وبالخلفاء الراشدين وآله                         وأصحابه غر الثقات الأماثل

خصوصاً رفيق الغار ذي الرأي والحجا   أبي بكر الصديق صدر المحافل

إمام فدى خير الأنام بنفسه                     وفي ماله ما كان قط بباخل

وفي درء تلك الفتنة اختص وحده              ولولاه لارتدت جميع القبائل

كذلك أمير المؤمنين وعزهم               أبو حفص الفاروق محيي النوافل

بعثمان ذي النورين من جمعت به             بجمع كتاب الله كل الفضائل

بعلي أبي السبطين حيدرة الوغى          مبيد العدى ليث الحروب المداحل

بطلحتهم ثم الزبير وسعدهم                     كذا سعيد من سما بالفضائل

بصدق ابن عوف صاحب الهمة التي       يدك لها في الحرب صم الجنادل

بغانم قطر الشام سيدنا أبي                   عبيدة كشاف الكروب العواطل

بسطوة سيف الله ذي البأس خالد    فتى الحزم ماضي العزم زاكي الخصائل

بحمزة بالعباس عمي نبينا                     بسبطيه بالزهراء عين الأماثل

بأحمد بالنعمان ثم بمالك                      وبالشافعي بحر الندى والمسائل

وبالأولياء الصالحين وبازهم               أبو صالح من قال ما في المناهل

ثم أنشدت الفرقة :

يا إمام الرسل يا سندي                                 أنت باب الله ومعتمدي

ففي دنياي وآخرتي                                     يا رسول الله خذ بيدي

أنت سر الكون سيده                                    روحه مولاه أوحده

عبدكم مدت لكم يده                                    مددك يا صاحب المدد

ما رأت عين وليس ترى                            مثل طه في الورى بشرا

خير من فوق السماء سرى                            طاهر الأخلاق والشيم

 

ثم استأنف الشيخ الإمام رضي الله عنه  حديثه فكان مما قال : لقد دلت الأحاديث على أن من صلى على سيدنا رسول الله    مرة صلى الله عليه عشراً وصلى عليه رسول الله    .. ففي الحديث : [من صلى علي من أمتي صلاة مخلصا من قلبه صلى الله عليه بها عشر صلوات ]   سنن النسائي الكبرى كتاب عمل اليوم والليلة وقال    :[ من صلى علي بلغتني صلاته وصليت عليه ]  المعجم الأوسط للطبراني عن أبي جعفر رضي الله عنه .

أما فضائل وآثار صلاة رسول الله    على أحد من أمته فيكفيك في بيان ذلك قوله تعالى : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ } 

فلقد كان أصحاب رسول الله    يتقدمون بمال الزكاة والصدقات في سبيل الله تعالى يتقدمون بها إلى سيدنا رسول الله    حتى ينفقها على الفقراء والمحتاجين وغير ذلك ويسألون رسول الله    أن يصلي عليهم فيقول    :[ اللهم صل على فلان وآل فلان ] وهكذا

ومن ذلك قوله    :[ اللهم صل على آل بن أبي أوفى ]  صحيح البخاري كتاب الدعوات .

أي : صل عليه وعلى آله من أولاده وأهله وذريته .

وقال تعالى في أثر صلاة رسول الله    عليهم : { إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ }  أي : تبعث السكينة في نفوسهم والطمأنينة في قلوبهم والسعة في عيشهم مما يزيدهم إيماناً ورفعة في المقام ، ولذلك كان الصحابة يحرصون على أن يصلي عليهم رسول الله    ويسألونه ذلك حتى إنهم كانوا يحتسبون صلاته    عليهم قربات إلى الله تعالى كما قال سبحانه :{ مِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } 

والمعنى : أنهم يتخذون نفقاتهم في سبيل الله قربات إلى الله تعالى لأنهم مخلصون في إنفاقها ويتخذون أيضاً صلوات الرسول    عليهم قربات إلى الله تعالى لما لها من منزلة وكرامة على الله تعالى وقد قال سبحانه : { أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ  } ، فمن أراد أن يحظى بصلاة رسول الله    عليه فعليه أن يكثر من الصلاة عليه    كما قال    : [ من صلى علي بلغتني صلاته – أي فوراً – وصليت عليه ]   المعجم الأوسط للطبراني .

وصلاته    على من صلى عليه هي سكينة في المصلي فيجد في قلبه اطمئناناً وفي صدره انشراحاً وفي نفسه سعة بمقتضى قوله تعالى :{ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ } ويتحتم على كل مؤمن الإكثار من الصلاة عليه    سيما يوم الجمعة وليلتها لما جاء عنه    : [أكثروا الصلاة علي في الليلة الغراء واليوم الأزهر ليلة الجمعة ويوم الجمعة ]   أخرجه البيهقي عن ابن عباس كما في الفتح الكبير

وقوله    :[ إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم عليه السلام وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي .. قالوا : يا رسول الله كيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت – يعني : بليت أي بعد الموت فقال : إن الله عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ]   قال المنذري في موضعين في الترغيب : رواه أحمد وابو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه . اهـ انظر : 1 :491 ،2 :503

وجزى الله عنا أصحاب رسول الله    خير الجزاء إذ سألوه هذا ليبين لنا أن عرض الصلاة عليه    مستمر في حياته وبعد وفاته    فهي تعرض عليه لما كان في الحياة الدنيا ، ويصلي على من صلى عليه ، وتعرض عليه أيضاً بعد انتقاله إلى الحياة البرزخية العالية .

وبين    أن الأنبياء عليهم السلام أحياء في قبورهم وأن الأرض لا تأكل أجسادهم ، فهو    بعد وفاته كما هو بذاته وذراته وصفاته ومقاماته وكمالاته    وقد انتقل إلى الحياة البرزخية العالية .

وأما حكم الصلاة على النبي    يوم الجمعة وفضلها فيبدأ من عصر يوم الخميس إلى طلوع شمس يوم السبت الذي بعد الجمعة ..

وجاء عنه    أن لله ملائكة ينزلون ليلة الجمعة ومعهم أقلام من ذهب وألواح من فضة يكتبون أجور المصلي على رسول الله    وترفع إلى الدواوين العالية .

روى ابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله    قال : إذا كان يوم الخميس بعث الله ملائكة معهم صحف من فضة وأقلام من ذهب يكتبون يوم الخميس وليلة الجمعة أكثر الناس علي صلاة"

ولما طالبنا رسول الله     أن نكثر من الصلاة عليه    فقد طالبنا بحق وجدير بنا أن نقوم بأداء حقه علينا    ، وبها نتقرب إلى الله تعالى لأنها مقابلة بصلاته علينا    كما تقدم بيانه .

وفي الحديث عنه    :  [من صلى علي مائة كتب الله بين عينيه براءة من النفاق وبراءة من النار وأسكنه الله يوم القيامة مع الشهداء]  المعجم الأوسط للطبراني عن أنس بن مالك رضي الله عنه .

وقال    :[ من صلى علي في يوم ألف مرة لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة ]  ذكره ابن شاهين في فضائل الأعمال وانظر كتاب الصلاة على النبي    ص 91  للشيخ الإمام رضي الله عنه ،  فإذا علم المؤمن ذلك فكيف يتقاعس أن يقوم بالصلاة عليه    ويحسب أنه على شيء ؟! 

 ثم اختتم رضي الله عنه  حديثه بالدعاء فقال : إننا نرحب بزوارنا الأحباب ونسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياهم من عباد الله الصالحين وكما جمعنا هنا نسأله أن يجمعنا في حضرة سيدنا رسول الله    ، وفي مقعد صدق عند مليك مقتدر . وكل عام وأنتم بخير ، ثم شرع بالدعاء : اللهم صل على سيدنا محمد حبيبك الأكرم ونبيك المعظم وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وأتباعه وعلينا معهم أجمعين كررها ثلاثاً.

صلاة ترضيك وترضيه وترضى بها عنا يا رب العالمين .

صلاة تغفر بها ذنوبنا وتفرج بها كروبنا وتنور بها قلوبنا وتستر وتصلح بها عيوبنا وتشفينا بها من كل داء وتعافينا بها من كل بلاء صلاة تجعلنا بها من عبادك المقربين .. من عبادك الصالحين الذين قلت فيهم : { وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ } صلاة تعطف بها علينا برحمتك التي عطفت بها على أحبابك ومقربيك ، صلاة تعطف بها علينا قلب سيدنا محمد    عطف الأحباب على الأحباب يا رب الأرباب . صلاة يرضاها رسول الله    ويفرح بها .

اللهم إنا نسألك ونتوجه إليك بأوجه الوجهاء إليك وأكرم الخلق عليك وأقرب المقربين لديك إمام عبادك وعبادك وخيرتك من خليقتك سيدنا محمد    صاحب الوجه المقبول والمقام المحمود  نسألك اللهم بجاهه عندك وبوجاهته عندك وبكرامته عليك أن تملأنا من الأنوار المحمدية والأسرار المحمدية والنفحات المحمدية وأن ترزقنا من بركاته وتفيض علينا من فيوضاته ، وتحفنا بحفاوته وتجعلنا في نظراته وأن ترزقنا من مسحاته الشريفة مسحات تباشر قلوبنا وذاتنا وذراتنا وذرياتنا .

اللهم صلاة تفيض بها علينا كل خير وتحفظنا بها من كل شر ، صلاة تجمعنا بها برسول الله    يقظة ومناماً .

اللهم إنك أمرتنا بدعائك ووعدتنا بإجابتك وأنت قلت في محكم كتابك : { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } اللهم إنا دعوناك كما أمرتنا فاستجب لنا كما وعدتنا إنك لا تخلف الميعاد . 

اللهم إنا واقفون ببابك منطرحون على أعتابك ومتوجهون إلى جنابك ومتوسلون إليك بأحب أحبابك فلا تردنا خائبين .

اجعلنا من الذين إذا دعوك أجبتهم وإذا سألوك أعطيتهم وإذا استرضوك رضيت عنهم وإذا استغاثوك أغثتهم .

نسألك اللهم بجاه رسول الله    عندك أن تكرمنا إكراماً محمدياً وتجعلنا خير وراث لسيدنا محمد    ، وأن تجعلنا متمسكين بشريعته متبعين لسنته ، معتزين بعزته    .

اللهم اغفر لنا وارحمنا ولوالدينا ولمشايخنا ولكل من له حق علينا ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى جمعنا هذا بغفرانك وإحسانك لا تدع فينا شقياً ولا محروماً . 

وهؤلاء ضيوفنا وزوارنا أكرمهم يا رب بإكرامك وأتحفهم بإتحافك واجمعنا وإياهم في حضرة نبيك سيدنا محمد    في الدنيا وفي الآخرة يا أرحم الراحمين يا أرحم الراحمين يا أرحم الراحمين .

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين  .

 2009-12-22
 7938
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  في مجالس العيد

22-12-2009 20268 مشاهدة
المجلس الثاني

وفي مجلس آخر افتتح رضي الله عنه  الجلسة بالترحيب بالضيوف والزائرين وقال : كل عام وأنتم بخير وأسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم والمسلمين بخير وعافية وعلى رضا من الله تعالى ورسوله    ... المزيد

 22-12-2009
 
 20268
المرئيات 8
المقالات 36
الصوتيات 129
الكتب والمؤلفات 260
الزوار 2132887
جميع الحقوق محفوظة لحفيد الشيخ الإمام: الشيخ عبد الله محمد محيي الدين سراج الدين © 2024 
برمجة وتطوير :