افتتاحه للمدرسة الشعبانية

لما عدلت مناهج المدرسة الخسروية وقرر فيها دراسة كثير من المواد الكونية على حساب المواد الشرعية تأثر لذلك كثير من العلماء الأفاضل في ذلك العصر ومنهم الشيخ محمد نجيب  رضي الله عنه  الذي رأى حضرة النبي  صلى الله عليه وسلم  في المنام وهو يأمره أن يفتتح مدرسة تخصص لدراسة العلوم الشرعية على النهج القديم .

وبحث مولانا الشيخ محمد نجيب  رضي الله عنه  ذلك الأمر مع أصحابه إلا أن الوهن والمرض الذي أصابه حال دون تحقيق رغبته حتى توفاه الله تعالى سنة /1373/ هـ وبقيت الفكرة قائمة لدى شيخنا الإمام إلى أن وفقه الله تعالى إلى ذلك سنة /1380/ هـ بالتعاون مع بعض المدرسين والعلماء الذين كانوا قد تركوا التدريس في المدرسة الخسروية وكان افتتاح الصف التحضيري والصف الأول في غرفتين في جامع الحموي حتى حصل شيخنا الإمام على المدرسة الشعبانية التي كانت قد أغلقت وألحق طلابها بالمدرسة الخسروية.

وكان شيخنا الإمام قد أشار على بعض المحسنين الموسرين ممن يحضرون دروسه أن يسعوا لإنشاء جمعية خيرية تقوم بالإنفاق على طلاب العلم الذين يدرسون في المدرسة الشعبانية .

وقد تحققت رغبة شيخنا الإمام وأسس جمعية التعليم الشرعي وأشهرت لدى الجهات الرسمية حتى إن المسؤول الذي وافق على ترخيصها وقتئذ – وقد نظر في أعمالها وأهدافها – قال : هذا ما أرجو الله تعالى أن ينفعني به إذا صرت في قبري .

ولما اكتملت صفوف المدرسة ست صفوف من مرحلتين إعدادية وثانوية رأى أحد خاصة تلامذة الشيخ محمد نجيب وأحد خاصة مدرسي المدرسة الشعبانية فضيلة الأستاذ الشيخ محمد بن محمد بن محمد آل الغشيم رحمه الله تعالى   رأى في المنام الشيخ نجيب  رضي الله عنه  وأثر التعب على وجهه والعرق في جبينه

فقال له : مم هذا يا سيدي ؟!

فقال الشيخ محمد نجيب  رضي الله عنه  له : [ انظر الآن لقد أتممت لكم رصف الطريق الموصل إلى باب المدرسة الشعبانية ] فنظر الشيخ الغشيم فرأى الطريق معبدة مرصوفة نظيفة .

ولما قص تلك الرؤيا على شيخنا الإمام قال :

[ رحم الله تعالى والدي وجزاه عنا خير الجزاء فإن فكرة إنشاء المدرسة كانت بأمر رسول الله  صلى الله عليه وسلم  له ولا يزال يعمل على تحقيق ذلك حتى حصلت رغبته وحقق الله مراده والحمد لله رب العالمين والأمر كله في كتاب أعماله الصالحة إن شاء الله ].

وبقي شيخنا الإمام  رضي الله عنه  يدير المدرسة ويرعاها بعنايته وتوجيهاته ودعواته حتى توفاه الله تعالى ولا زالت بفضل الله تعالى تخرج طلاب العلم الأكفاء لمتابعة الدراسات العليا في شتى المعاهد والجامعات ومنهم الأئمة والخطباء والمدرسون .

وقد كان  رضي الله عنه  يقول : [ لقد تشعب عن المدرسة الشعبانية كل خير والحمد لله فقد تفرع عنها دار لتحفيظ القرآن الكريم وتعليم القراءات وحلقات لقراءة الحديث الشريف وكم من مدرسة شرعية أنشئت بعد المدرسة الشعبانية وقد استعانت بمناهجها والحمد لله ]

وكان  رضي الله عنه  يقول : [ لقد عمر المدرسة الشعبانية حساً ومعنى أكابر  الرجال من العلماء و الأولياء ومنهم من جاور فيها لفترات طويلة ولا تزال بركاتهم وآثار طاعاتهم وعباداتهم لله تعالى مشهودة عند أهل التقى والصفاء ]

ويقول  رضي الله عنه  : [ إن المدرسة الشعبانية وإن كانت حسب الظاهر متواضعة بجدرانها وبنيانها إلا أنها شامخة بمن عمرها ودرس أو درس فيها ولها مكانتها وعلو مرتبتها عند الله تعالى ]اهـ

قلت : وكان شيخنا الإمام  رضي الله عنه  لا يترك في دعائه الدعاء للمدرسة الشعبانية وما يتبعها وللعاملين عليها والمدرسين فيها ولطلابها وإدارتها .

وكان يوصي المدرسين فيها كلما زاروه يوصيهم بالاهتمام وببذل الجهد في التعليم وأن يحافظوا على حلقات السلسلة العلمية الشرعية ولا يدعوا النقص والضعف والتفكك يسري إليها فكما أخذوا العلم عن مشايخهم بقوة فعليهم أن يوصلوه إلى من بعدهم بقوة وهكذا .

وكان يشحذ همة المدرسين والطلاب أيضاً ويبشرهم بأن الشعبانية محفوفة بالأنظار المحمدية  صلى الله عليه وسلم  فمن عمل فيها أو أسدى إليها معروفاً فقد ناله من النفحات والأنظار المحمدية على حسب صدقه وإخلاصه لله تعالى .

قلت : وقد قص شيخنا الإمام مرة أنه رأى حضرة النبي  صلى الله عليه وسلم  في المنام وهو يصلي إماماً في ساحة المدرسة الشعبانية وقال  رضي الله عنه  :

[ لقد عمرتها أنوار الحبيب الأعظم  صلى الله عليه وسلم  وأنوار العلماء والأولياء والصالحين نفعنا الله تعالى بهم أجمعين ] 
وكان من عادته  رضي الله عنه  في شهر رمضان المبارك أن يصلي العشاء والتراويح إماماً في جامع الحموي وبقي على ذلك سنين ثم نقل ذلك إلى جامع المدرسة الشعبانية حباً فيها وإحياء لها وخاصة أيام العشر الأخير من رمضان ويطيل الدعاء بعد الصلاة لما لتلك الليالي المباركة من عظيم الفضل ومضاعفة الأجر .

وجاء في نهر الذهب [ 2-116-117] وإعلام النبلاء [7-438-439] :

هذه المدرسة بناها شعبان آغا بن أحمد آغا المأمور بتحصيل الأموال في حلب سنة 1085  للهجرة وقد اشترى الأرض الخالية الواسعة الأنحاء من جانبولاد زاوه محمد بك .

الكائنة في محلة الفرافرة وبنى فيها مسجداً بديعاً من الحجر عليه قبة عالية جسيمة وبنى فيها مدرسة من الحجر ذات قبة عالية لتقرأ فيها مباحث العلوم والفنون وهي مدرسة عظيمة عامرة وتشتمل على صحن واسع يبلغ خمسين ذراعاً في مثلها في وسطه حوض مربع يبلغ بضعة عشر ذراعاً في مثلها قد حف في شماليه وغربيه بحديقة جميلة وفي جنوبي الحوض إلى شرقيه مكان للماء واسع حفره وأنشأه المرحوم تقي الدين باشا سنة 1269 من وصية والده المرحوم عبد الرحمن أفندي المدرس ، وفي غربي الصحن وشرقيه رواقان ممتدان من الشمال إلى الجنوب داخلهما سبع وعشرون حجرة للمجاورين وفي جهته الشمالية دار للتدريس وهي قبة عظيمة واسعة وفي شرقيها حجرة واسعة وفي جنوبي الصحن قبلية في شرقيها رواق واسع .

وفي غربيها مدفن وقفي ومسجدها تقام فيه الصلوات والجمعة

 قال الشيخ سامح أفندي العينتابي :

وشيدت رواقاً شرقياً ورواقاً غربياً وداخلهما تسع وعشرون حجرة وخصصت هذه الحجرات لسكن طلبة العلم الشريف ، وفرشت في المسجد المذكور بالحجر المرمر وجعلت في وسطه بالحجر المرمر ، وجعلت في وسطه حوضاً عشراً بعشر ذا صفة أنيقة من المرمر وزينت ثلاثة أطراف هذا الحوض الكبير بحدائق على أن يجري إليها الماء من قناة حلب باستحقاق مقرر عن كتاب واقفه التركي وبنيت مكتباً لطيفاً للأهالي المسلمين جنوبي المدرسة يعلم فيه القراءة ومبادئ الكتابة .

وقال الشيخ راغب الطباخ [ 7-438-439] : ولم أقف على أول من تولى التدريس فيها لكني رأيت في أول حاشية الشيخ محمد المرعشي الملقب بساجقلي ذاده ما نصه :

لما وليت تدريس المدرسة الشعبانية المحروسة في قريب من تمام ألف ومائة للهجرة .

ويظهر من هذا أنه ثاني من تولى التدريس فيها .

وقد تولى أمرها على وقف الشعبانية الشيخ أحمد الزويتيني مفتي حلب المتوفى 1316  للهجرة ثم تولى أمرها الشيخ مصطفى ولده بقي من 1316 إلى سنة 1331 للهجرة  وفيها أتى إلى حلب أحمد جودة أفندي من أهالي تركيا مصطحباً امرأة هرمة تدعى خديجة وادعى أن هذه المرأة وأخاها الغائب حمدي أفندي هما من ذرية الواقف وانهما المتوليان على هذه المدرسة مقتضى شرط الواقف وطال أمر المحاكمة والمرافقة بينهما وفي النهاية تنازل الشيخ مصطفى عن التولية وحكم بها لهذه المرأة ولأخيها بالوكالة عنهما لأحمد جودة المذكور .

ولإهمال بعض شؤونها أقام بعدها مدرس المدرسة الشيخ أحمد الزرقا من نجل أستاذنا الكبير الشيخ محمد الزرقا دعوى على وكيل المتولين يطلب فيها منعه من التشبث بكتابة الوقف المذكور

وفي سنة 1342 اهتمت دائرة الأوقاف بأمرها بعض الاهتمام وألزمت وكيل المتولي أن يقبل الطلاب من أهالي حلب وغيرهم وذلك على أثر القرار الذي أعطي من قبل مجلس الأوقاف الأعلى الذي عقد في دمشق سنة 1340.


فجاور فيها ثلاثون طالباً وصارت تعطى لهم الرواتب غير أنه لم يطبق عليها النظام الموضوع للمدرسة الخسروية  . اهـ

قلت : وفي فترة متأخرة تم شق شارع يصل ما بين الطريق الذي يربط بين قلعة حلب ومنطقة السبع بحرات المعروفة الآن وعلى إثر ذلك تهدم جزء من المدرسة وبقيت إطلالته على الشارع كجدار قديم

وفي عام 1396 هـ قام المرحوم المحامي سليمان النسر – مدير أوقاف حلب وقتئذ – وبإشارة ونصيحة من الشيخ الإمام لعمل خير يبقى في صحيفته إلى يوم الدين – قام بإنشاء مبنى مؤلف من طابق أرضي وفوقه غرف مبنية كصفوف متممة لما تبقى من صفوف المدرسة في الطابق الأرضي ، وعند انتهائه من البناء عام 1399 هـ قام بتسليمه لإدارة المدرسة الشعبانية فجزاه الله خير الجزاء


 

المدرسة الشعبانية

المدرسة الشعبانية 01
المدرسة الشعبانية 02
المدرسة الشعبانية 03
المدرسة الشعبانية 04
المدرسة الشعبانية 05
المدرسة الشعبانية 06
المدرسة الشعبانية 07
المدرسة الشعبانية 08
المدرسة الشعبانية 09
المدرسة الشعبانية 10
المرئيات 8
المقالات 36
الصوتيات 129
الكتب والمؤلفات 239
الزوار 1806841
جميع الحقوق محفوظة لحفيد الشيخ الإمام: الشيخ عبد الله محمد محيي الدين سراج الدين © 2024 
برمجة وتطوير :