حول قوله تعالى : { العزيز الحكيم }

العزة تقتضي الترفع عن الغير والغلبة عليه كما في قوله  : [ وعزني في الخطاب ] أي غلبني في الخطاب .فاقتران اسم الحكيم بالعزيز لأن الحكمة لابد لتنفيذها من قوة وقدرة وغلبة  أي فهو القادر على تنفيذ حكمته سبحانه  { والله غالب على أمره} أي على تنفيذ ما أراد سبحانه .

وقد قام صلى الله عليه وسلم مرة طيلة الليل يقرأ بهذه الآية : { إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم } وهذا ما ذكره الله سبحانه عن عيسى عليه السلام وقال تعالى مخبراًعن سيدنا إبراهيم عليه السلام : { فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم } أما عيسى عليه السلام فقد دعا متأسياً ومتأدباً بآداب الملائكة من حملة العرش والملأ الأعلى {  الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}

وأما الخليل عليه السلام فقد طرق باب الرجاء والرحمة فقال  :{فمن تبعني فإنه مني } - أي من ملتي .{ومن عصاني فإنك غفور رحيم } أي بأنه يؤمن ويتوب وتغفر له بقدرتك ورحمتك .

ولقد جمع الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم كمال الأدب أدب عيسى وأدب إبراهيم عليهما السلام ودعا بالآيتين لأمته صلى الله عليه وسلم ، كما روى الإمام مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم { رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني } الآية ، وقول عيسى عليه السلام : { إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم } ، فرفع يديه وقال اللهم أمتي أمتي وبكى فقال الله عز وجل يا جبريل اذهب إلى محمد وربك أعلم فسله ما يبكيك فأتاه جبريل عليه السلام فسأله فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال وهو أعلم فقال الله يا جبريل اذهب إلى محمد فقل إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك  حول قوله سبحانه وتعالى : { كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير }.

إن المراد من الإحكام في الآية هو أن نصوص الآيات القرآنية محكمة المعنى من حيث متانتها وتركيبها اللغوي وبلاغتها فهي في غاية المتانة والبلاغة والإعجاز ولا حشو فيها ثم فصلت هذه الآيات القرآنية إلى سور وجاءت كل سورة بمنزلة كتاب فيما تناولته من مواضيع أو قصص أو غير ذلك .

أما المراد من قوله تعالى : { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات } أي في المعنى والمبنى  { وأخر متشابهات } أي في المعنى إن كانت الآية تتعلق بخبر أو حكم شرعي أو قصص أو أمر أو نهي وأما إن كانت الآية تتعلق بالصفات الإلهية فقد تكون محكمة المعنى أي ظاهرة المعنى والمبنى أيضاً كقوله تعالى :{ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير }، وقد تكون الآية متشابهة المعنى وإن كانت محكمة المبنى كقوله تعالى : { الرحمن على العرش استوى } والاستواء هو العلو لكن علوه سبحانه فوق عرشه لا يشبه علو المخلوقين فليس هو علواً مكانياً أو انتقالياً أو روحياً بل هو علو لائق به سبحانه ،  فهمنا ذلك برد هذه الآية المتشابه فهمها إلى المحكمة ، قال تعالى : { ليس كمثله شيء } لأن فهم المتشابه لا يمكن إلا برده إلى المحكم لقوله تعالى  { هن أم الكتاب } أي أصله ومرجعه فكانت المتشابهات بمنزلة الفروع فيجب رد الفروع إلى الأصول لبيانها وفهمها .

وخلاصة القول :

أن آيات الكتاب كلها محكمة المبنى والمعنى أما الآيات التي تتعلق بالصفات الإلهية قد تكون متشابهة المعنى , وبردها إلى المحكمة تصير محكمة مفهومة وأما قوله تعالى :{ كتاباً متشابهاً } فوصف الكتاب كله بالمتشابه .

نعم أي يشبه بعضه بعضاً في تركيب الآيات اللغوي ويؤيد بعضها بعضاً في الفهم والبيان فترى آية تبين معنى آية أخرى أو تؤيد معناها وهكذا . وليس المراد تشابه الفهم إذ تبين ذلك فيما سبق .