حالة أهل الحقيقة مع الله تعالى

كتاب سيدي أحمد الرفاعي [ حالة أهل الحقيقة مع الله تعالى ]

يعني حال أهل الحقيقة الإيمانية مع الله تعالى وهم الذين تحققوا بحقيقة الإيمان الذين ذكرهم سبحانه بقوله :{ أولئك هم المؤمنون حقاً }

ولما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم حارثة بن النعمان ، فقال له : " كيف أصبحت يا حارثة ؟ " قال : أصبحت مؤمنا حقا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " انظر ما تقول ، فإن لكل حق حقيقة فما حقيقة إيمانك ؟   الحديث

فكلمة الحقيقة التي وردت على لسان الشارع وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباعهم وأئمة القوم مرادهم الحقيقة الإيمانية وليس مرادهم التفرقة بين الشريعة والحقيقة إذ أن هذه التفرقة نشأت في العصور المتأخرة واصطلحوا على أن الحقيقة هي قضاء الله وقدره التكويني النافذ - أي إرادته التكوينية - المشار إليها بقوله تعالى :{ إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون }

وأما الشريعة فهي إرادته سبحانه التشريعية ومحبته ورضاه كما قال سبحانه :{ ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم }

مع أن الكفر بقضائه سبحانه وإرادته لكن ليس يرضاه سبحانه واعلم أنه لا تعارض بين الشريعة والحقيقة ولو عارضت الحقيقة الشريعة فهي باطلة كما أن قصة موسى مع الخضر ليس لها في الحقيقة مكان إذ أن عمل الخضر كان بموجب شريعة وأقره موسى لما تبينت له حكمة أفعاله .

وليس للعبد أن يحتج بالحقيقة بل عليه أن يعمل بظاهر الشريعة ألا ترى إلى قوله تعالى :{ إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون} هذه حقيقة لكنه صلى الله عليه وسلم لم يترك إنذارهم وإبلاغهم الدعوة إلى الله تعالى كما أن الاحتجاج بمشيئة الله وقدره على أمر لم يأت بعد أو على أمر مستمر صاحبه عليه - هذا الاحتجاج مردود على صاحبه لأنه من الذي أطلعه على مشيئة الله المستقبلية بذلك ؟

وقد رد سبحانه على الكفار احتجاجهم بذلك لما أرادوا تبرير استمرارهم على الكفر فقال تعالى :{ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ }

وقال تعالى :{ وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه } فاحتجوا بالمشيئة لتبرير بخلهم ومنعهم وشحهم .

وما أدراهم أن الله تعالى قد شاء إلى الأبد استمرارهم في الكفر أو شاء عدم إطعام الطعام هؤلاء ؟

ولذلك فلا يصح للمؤمن العاصي إذا نصحه أحد  أن يقول حتى يريد الله بل عليه الإقلاع عن ذنبه لأنه ما أدراه أن الله قد شاء له الاستمرار على ذنبه أما الاحتجاج بالمشيئة على أمر قد مضى وحصل  ثم تاب منه العبد فلا بأس كأن تقول شاء الله لي وقضى علي أن أفعل كذا وكذا ثم تبت إلى الله تعالى ومن ذلك احتجاج آدم بأن الله قد قضى عليه الأكل من الشجرة قبل أن يخلقه بأربعين سنة وذلك لما احتج آدم وموسى عليهما السلام فقال له موسى أنت آدم الذي أخرجت ذريتك من الجنة ، فقال آدم : أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالاته ، وكلامه ثم تلومني على أمر قد قدر علي قبل أن أخلق ؟

قال صلى الله عليه وآله وسلم :  فحج آدم موسى ولكن آدم عليه السلام قبل أن يأكل من الشجرة لم يكن يعلم أن الله قد قضى عليه الأكل منها فلما أكل منها لم يحتج بقضاء الله عليه بذلك بل اعترف بذنبه وتاب إلى الله لكن لما حاجه موسى احتج بقدر الله وقضائه فافهم .